سأنتظرك ...
كلما قرأها شعر بالدفء وأحس بأن لحياته معنى .لم تكن ترد على خطاباته الكثيرة إلا بتلك الكلمة المقتضبة .وانقطعت فجأة عن الكتابة إليه وكان يتلهف لأي كلمة تأتيه منها وكان يعزي نفسه بغياب رسائلها بالنظر إلي قديم رسائلها وتذكر كلماتها قبل أن يصعد الطائرة حين طلبت منه أن يكتب لها كل ليلة وهي في انتظار أن يتحقق الحلم الذي تمنته ولم ترض بغيره . فما الذي بدلها . نعم تحبه . لكن المرأة لم تزل تحلم بذلك القصر النيف ومصباح علاء الدين !!!!
لماذا كفت عن الكتابة إليه . وتجاهل أخيه تساؤله عنها كثيرا لكنه حين تواصل إلحاحه وصلته تلك الرسالة المقتضبة ..
نور تزوجت . فكر في نفسك ومستقبلك فقط ..
وعدت حزينا كسيرا وقلت لأخي حين صرنا وحدنا
- لماذا ؟.
- إنساها يا أخي
- ولكن لماذا ؟.
- كل الذي أعرفه هو أننا تلقينا تلك الدعوة .
- والحب ؟.
- الحب يا أخي هو كلمة حلوة عذبة يلوكها اللسان وتثير قلبك وقلبي وكل القلوب ولكنها كلمة . مجرد كلمة وأنت تعيش الآن متأثرا فقط بلطمة الحب القوية التي تأخذ وقتا طويلا أو قصيرا حسب قوتك أنت ولو طلبت لي أن أسديك نصحا علاج الحب هو الحب فاصنع من الحب عدوا أو أصنع له بديلا فلا ينسيك الحب إلا حبا آخر !!!
*********
عشر سنوات مضت ... لكم تغيرت الدنيا . انتظر طفلي الثالث لكن القدر أبى ذلك وحاولت مع زوجتي لتنسى ألمها . رغبة المرأة في الأمومة كرغبة حب البقاء فينا . رويدا بدأت تنسى . وباغتني صديقي بدعوة في احتفال له وحاولت كما العادة أن أعتذر فلا أحب تلبية أي دعوة أو سهر لكنه أبى ذلك . وذهبت على مضض إلي احتفاله ووقفت وحيدا بعيدا عن الكل وصديقي يعجب كيف لبيت طلبه وأنا نفسي أعجب لذلك . وبينما آثرت الوحدة وتجاهل نداء الكل بالمشاركة في أحاديث تطول هذا وذاك من أحاديث النميمة المعتادة باغتني صوتها
- مرحبا محمود
ما أعجب تدابير القدر ..
- مرحبا ألا تنسى يا رجل
حاولت أن أرحب بها . أن أشير إليها لتجلس ونصح أخي لي بالنسيان .
- ألن تدعوني للجلوس
- تفضلي
- مر وقت طويل لم نلتق فيه . متى التقينا آخر مرة ؟.
- لا أدري .
- قل لي ما أخبارك
- لا شيء . لا جديد
- محمود ما بك إلا زلت حزينا .. من القديم الذي بيننا ؟.
- الدنيا كل يوم تتجدد والجديد ينهي القديم وينسفه فأنا زوج لامرأة ما ترى في الدنيا غيري وأب لطفلين وثالث ضاع في وسط الطريق تخطفه الموت .
- كن باقيا على الذكرى .
- الذكرى !!
حاولت أن أصرخ وأن أبوح أن الغدر كانت هي البادئة به . وتركت الحفلة وحاولت تناسي هذا اليوم وأنا ألوم نفسي أن أصغيت لصديقي وإلحاحه المتواصل في تلبية دعوته وفي الصباح فوجئت بها في مكتبي ونظرت نحوي وهي تقول
- لشد ما تغيرت يا محمود .
- الدنيا كلها تغيرت هل أبقى وحدي دون تغيير
- أنت تخطئ فهمي !!
- كيف
- إذن كما توقعت
- ما الذي توقعتيه ؟.
- أحلام اليقظة هي أسوأ أحلام الإنسان !!! حين ودعتك تخلصت من أثر الحب وقلت في نفسي إلي متى الانتظار ولكن فتى أحلامي غدا كالماء حين يغلي . يتبخر . كنت أحبك . ولكني قلت لنفسي إلي متى الحب . قد تغيره الغربة إن المرأة كورقة الشجر نضوجها في الربيع وذبولها في الخريف والخريف يقضي على كل جمال الربيع بذبول الأوراق فتلك سنة الحياة والجمال لا يبقى والرجل يريدها جميلة . كنت فتى أحلامي لكن كان هذا فيما مضى ولكن فتى أحلام أي فتاة هو الرجل الأول الذي يتقدم لها ويقدر جمالها اللحظي وهو حلم كل فتاة طالما يملك شقة ويستطع أن يعينها على الحياة دون تخوف أو بالكاد فأنا بنت هذا الزمن فلا تلمني لأني لا أستطع أن أخرج عن تلك الدائرة الكونية التي فرضت علينا فلا تلمني . كنت أحبك . ولكني الآن أحترمك لأنك حولت صدمتك في إلي معول لنجاح هائل يقدره الكل وحولت صدمتك إلي امرأة تحبك وليس لها غيرك وتستحقك .
ثم ودعتني وقد أحرقت كل أفكاري . ودعتني وقد ضربت رأسي في الحائط فلما أرتد إليها قالت له فك قيدك . لم أعد أنتظرك !!
حمادة البيلي
من الكتاب الأول