فتحت باب الشقة ودخلت.. كنت متعبة من يوم طويل وليس لطيفًا بالقدر الكافي.. استقبلني هو بوجه غاضب ونظرات تنبئ بمعركة..
قلت وأنا أتحاشى النظر إليه: سلام عليكم..
قال بصوت عالٍ قليلًا: اتأخرتِ ليه يا هانم؟
نظرت لساعة الحائط كانت تشير إلى الحادية عشر وأربعين دقيقة..صوته استفز تعبي الجسدي وإرهاقي النفسي..
لا أحتمل أي صراخ الآن.. قلت له وأنا أحاول تفادي المعركة بقدر الإمكان: الطريق كان زحمة..
تركته ودخلت غرفتنا.. خلعت حذائي بآه مكتومة وأنا أجلس على طرف السرير..
كان على باب الغرفة يقول وقد علا صوته أكثر: وقافلة تليفونك ليه؟
قلت بصوت أعلى وأنا اقذف بفردة الحذاء تحت السرير وقد بدا غضبي يثور كلبن على وشك الغليان: فصل شحن مني.. أي تحقيقات تانية؟
وبدأت المعركة.. وقال كلامًا كثيرًا سخيفًا عن الهانم التي لا تطيق أسئلة زوجها، ولا تراعي بيتها، وأشياء كثير عن حقوقه، وأقاويل كثيرة من هذا القبيل...
كنت على استعداد لأن أفعل أي شيء ليصمت.. متعبة لأقصى حد وغير محتملة لصراخه أبدًا..
رأيته قاسيًا.. لم يلمح وجهي المتعب.. ولا عيوني المتورمة إثر بكائي بعد مشاجرة مع مديري في العمل.. لم يلمح إرهاقي.. كنت أحتاج حنانًا.. وهو كان يصرخ..
وبادلته الصراخ بصراخ أعنف..
واتهاماته باتهامات أقسى..
وكان يتكلم ويصمت..
وأتكلم وأصمت..
يصرخ وأصمت..
وأصرخ يصمت
.. وحينًا نصرخ نحن الاثنين..
وأنا أتحرك في الغرفة أبدل ملابسي وألملم ملابسه المبعثرة، أرفع كوب شاي باقٍ منه وأدخل به إلى المطبخ.. وأقف في وجهه وأشيح.. وأبعد عن وجهه وأحبس دموعي.. وأطفأت نور الغرفة وهو ما زال يتكلم.. ودخلت سريري..
فتح النور في عناد.. فاعتدلت له وصرخت وقد وصلت لأقصى حدود جنوني: اطفي النور.. عايزة أنام..
قال بصرخة أخيرة: أنا كنت قلقان عليكي..
لم يكن في صوته حنان.. كان فيه عذاب وتعب وانتظار وغضب.. كانت جملته تحكي لي كيف قضى ساعتين في انتظاري بعد موعد رجوعي الطبيعي للمنزل، وقد مزقه القلق وهو يحاول الاتصال بي وتليفوني مغلق...
ارتعش جسدي في موجات هدوء وقد انطفأ جنوني.. قلت بهمس مرهق جدًّا به دموع من بعيد جدًّا: آسفة يا رامي.. كان غصب عني..
ارتخت عيناه في كآبة وتنهد وقال هو يطفئ النور: طيب تصبحي على خير.. وخرج من الغرفة في هدوء..
وضعت رأسي على الوسادة ولم أنم.
بقلمى