بسم الله الرحمن الرحيم
ثورة باقي الأمم.. قصة قصيرة..
أقبلت عليه بحنو تلعق ما علق على رقبته من دماء، وهو يطلق أنينا مؤلما ، غاضبا ، قبل أن ينتفض في عنف ، وتلتمع
عيناه تحديا لم تألفه فيه،فيغمغم مزبدا مجيبا على سؤال استنكاري لم تنبسه ببنت شفة:
- لن يفلت من العقاب هته المرة.. سأرد له الظلم ظلمين..
تفاجئت من لهجته فزمجرت فيه محذرة:
- إن أنت رددت عليه الإهانة تكون قد خرجت عن أعرافنا، وخرقت دستورهم في آن واحد. نحن أمة لا نرد بالأذن على الأذن
ولا بالسن على السن، ففي سبيل المأوى والمأكل والحماية نصبر على أذى أسيادنا..
بني إنك إن تنجوا من المنفى لصحراء الموت في شريعتنا ،فإنك لن تفلت أبدا من العقاب حسب دساتيرهم المقدسة..
علت زمجرته مستنكرا:
- أي قدسية في دستور بني على سياسية (هبل نقع)*!! وأي ذل هذا الذي نحن فيه!! سأكون كتلك الشرارة التي
أيقضت في شبابهم ثورة المجد فذلت عزيزهم ونصرت حقيــ ...
قاطعته معنفة:
- بني.. لا يغرينك ما يفعلون.. التغيير لا يأتي من فوق إنما من تحت..
هم لم يثوروا ضد الظلم بل ضد الظالمين، وسقوط الظالم لا يعني نهاية الظلم ، إذ سرعان ما سينهض
الظلم من جديد من رمادهم ويبحث عن أجساد تواقة للشر.
ولعل جلدُكَ سيدك بالسياط لدليل واضح على صحة قولي، فالظلم باق فيهم رغم الثورة المجيدة..
تصاعد لهاثة وهو يقول:
- خطأ أماه.. أنا معك في أن التغيير الشامل هو وحده من يجب أن يبدأ بالفرد.أما الثورة فيجب أن تكون سريعة وحاسمة،
وتكون ضد الظالمين أمثال (بلعم بن باعوراء)*الذين حكموا بغير السنن الكونية، فأفسدوا الدنيا والمعتقد..
وإلا لو كان منطقك صحيحا لكنت أولى ضحاياي..
قال هذا واستجمع قواه الخائرة، وقفز بأطرافه الأربعة ليستقر فوق جدار عال من الطوب، ليطل على أحد أطراف غابة
متشابكة، وقد تصاعدت منها زمجرات مخيفة، ثم يكشر عن أنيابه المميتة، ويطلق عواء مخيفا، ويهوي في مكان سحيق
فترد عليه تلك المخلوقات بعواء قريب الشبه بعواء الذئاب، وتبد أ زحفها ناحية الجدار..
ونحو بني البشر..
************
من تأليفي: 09/04/2001
* هبل نقع: راع غنم كان يطعم السمينة ويترك الهزيلة ولما سئل عن ذلك أجاب:
بأنه يعز من أعز الله ، ويذل من أذل الله..
* بلعم بن با عوراء : رجل من بني إسرائيل أتها الله من العلم ما أتاه لأنبيائه لكنه اتبع هواه
وفيه نزل قوله تعالى: "... فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ، وإن تتركه يلهث..."