قصة بدر
يغوص بدر في أعماق بحر الهوى مختنقاً و لسانه تسجن بين وديان حلقه المظلم حينما تقصف أروى حدقاته ببريق أزرقٍ من شعرها الأسود الناعم والطويل من شمس ساطعة وتسلم عليه بعدها مبتسمة , كلما كان يقابلها في الرصيف مترجلا نحو المنزل وهي ترجع ككل يوم الى المكتب الذي يعمل هو فيه قادمة من القسم الثاني لنفس الشركة الهندسية الذان يعملان فيها و في حوالي الربع الأول بعد الرابعة وبعد أنقضاء ساعات العمل لتسلم تقاريرها , .
في الليل
آه ياليل , عزاء ..
وبكل ما في الكلمة من معنى ,لاراحة ولا سكينة , بل تكرار لانهاية لها لمشاهد وأحتمالات مختلفة , ملونة وبالصوت والصورة حتى زعيق المنبه الديكي والذي كان يرش أطيافه السابحه في مروج أفلامه ,بماء مثلج ,
فيتلاشى كل شيئ ..
في العمل حرق الطعام في الميكرو لثلاثة مرات في أسبوع , وفي المرة الأخيرة أختتم تحضيرغدائه بأنفجار حافظة الطعام البلاستيكية ورائحة دجاج متفحم مختبئة في غيمة رمادية من الدخان غطت الممرات , وفي حيطان وزجاج داخلي للفرن غدت مخلفات البازلياء شظايا ملتصقة .
وأما مدير الشركة , فأنه سحب طلبه بضرورة فحصه بحثاً عن شيئ مخدر قد يعطيي أجابة عن حالة موظفه المتردية,عندما أعترف له بدر بأنه في غرام قاتل ..
رجع برأسه الى الوراء وبأنحاء نحو رقبته ووتمططت شفتيه الى جانبيها فبدتا عرضتين وأنكمشت تقاسيم وجهه وتسطحت عينيه وأصبح يشبه صينيا
كل العلامات تدل على تفهمه .
كان المديرُ رجلاً شديد التمرس في مجال عمله والذي أستهلكه أحدى وعشرون سنة مثابرة وجد , وعالم في تقييم الأفراد ولم يكن غبياً في قبول طلب وضيفة بدر من بين العشرات , فكان يعرف قيمة هذا الشاب البريئ والعبقري أمامه , وهذا ما أثبتته الأيام فأوكل اليه تصميم أعمال متعددة وكان يرى فيه نفسه ويشاهد كل واردته وشاردته من بين جدران الشركة ورغم أن نظرته الأبوية للآخرين لم تقتصر على أحد من العاملين الا أن الموظف الجديد بدر , كان تحت أختبار جدي.
سكوت وسكون مطبق على الغرفة غطيا حتى أن أزاحهما عقرب الساعة بلدغات مسموعة على أجساد الثوان ,.
وأما في نفسه فقد أسترجع ذكريات هائلة السرعة عن زواجه المرير ودرب طلاقه الذي أدى به الى مقعد عاطفياً .
مد يده الى قلمه المستريح على الطاولة وأخذ يدحرجه بين أصابعه وكأنه يريد معرفة المزيد وعسى ولعل سيخبره هذا المهندس الجديد عن قصة تشفي غليله فبادره سائلاً :
- وهل أعرفها يابني؟
- أجل ياسيدي..
- أها , ومن هي هذه الآنسة التي أربكت نظام العمل في شركتي والتي جعلتك تتأخر عن رسم مشروع حديقة البلدية وتتسبب في كوارث كيميائية في صالة الطعام ؟'
في رأس بدر كانت مسرحية بين شخصين تجري , فالأول قال له , قلها يابدر ..أعترف , وأما الثاني فكان يعاكسه في الأتجاه ويقول لا يامغفل لاتفعل ذلك ,ستجلب الويل على نفسك.
تشاجرت الأحاديث في رأسه حتى أن صدح صوت أمه من بينها والتي كانت دائما توصيه بها ,وطغى على عقله قائلا , يابني الرجل رجل المواقف . . الرجل رجل المواقف . . الرجل رجل المواقف . . . . .
- أروى ياسيدي.
قالها وبصوت قاطع ..
- أروى أبنتي؟
حنى بدر رأسه خجلاً حتى أن سقطت ناظريه على أحذيته الجديدة وهز رأسه نحو الأسفل ليرمز الى كلمة نعم ..
وكان المدير يقول لنفسه بأنه سبق وأن ذاق من كأس مرارة الحرمان من خاتمة سعيدة لحب تأريخي أيام شبابه قبل أن يهبط أضطرارياً على صحراء والدة أروى , زوجته السابقة والتي تركته وبطفلة في ثلاثة سنوات من العمر حينما كان مهندسا شابًا يبحث عن عمل في وطنٍ لايصنع ولايزرع.
قطرة خير
أهداء
اليك ياجميل ...طلّي فالليل أظلم